نظرة علمية على المراهقين مواطني العالم الرقمي

نحن نواجه اليوم تحدياً غير مسبوق عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال وتوجيه الشباب. فالشباب اليوم يعيشون قدراً كبيراً من حياتهم في الأحياء الجديدة والافتراضية لعالم الإنترنت. إنهم يصلون إلى عالم الإنترنت من خلال الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويستخدمون التطبيقات والشبكات الاجتماعية للتعبير عن أنفسهم، ويشاهدون ملفات الفيديو، ويشاركون الملفات، ويمتعون أنفسهم عموماً، مع إدراكهم أن أي مستقبل محتمل سيستفيد من خبراتهم ومهاراتهم الرقمية المطورة جيداً.

على الرغم من أن الكثير مما نعرفه عن التنمية البشرية هو نفسه في العالم الرقمي، إلا أن كونه حديثاً جداً يعني ضرورة التعلم السريع للشباب وآبائهم. ينغمس الشباب في الثقافة الرقمية حتى يستطيعوا مواكبة أحدث التطورات والاتجاهات، وهذا يمكن أن يجعل الآباء يشعرون بالانفصال والقلق بشأن تأثير ذلك على أبنائهم.

ما هو عامل الجذب النفسي للعديد من هذه الشبكات الاجتماعية الجديدة اليوم – وخاصة تلك التي تحتوي على ميزات إخفاء الهوية؟ ما هو الدور الذي تلعبه في حياة الشاب مواطن العالم الرقمي؟ وكيف يمكننا كآباء وأمهات وأولياء أمور توجيههم على النحو الأمثل لتعظيم الفوائد وتقليل المخاطر؟ هذا المقال سيحاول الإجابة على هذه الأسئلة وأكثر.

إذا أردنا أولاً أن نفهم سبب الأهمية والشعبية الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع التي تتيح إخفاء الهوية بين الشباب فنحن بحاجة إلى فهم هذه المرحلة في حياتهم، وفهم خبرتهم الناجمة من نشأتهم في العالم الرقمي، ويشمل ذلك أخذ ما يلي في الاعتبار:

  1. التغيرات المادية التي تحدث للشاب خلال فترة البلوغ.
  2. النمو النفسي والتكيفات مع سن البلوغ والتي نسميها مرحلة المراهقة.
  3. ما يخبرنا الشباب به عن النمو في عالم الإنترنت، وسبب تقديرهم للأماكن الخاصة والتي تتيح إخفاء الهوية.
  4. كيف يمكننا التفكير في بعض المخاطر، ولماذا يريدون أن يتعلموا منها بناء القدرة على التعافي.
  5. ما الذي يمكنك القيام به كوالد أو ولي أمر.

تحولات البلوغ

تشتمل عملية النمو الجسدي للإنسان على فترات من النمو البطيء، ومراحل للتطور السريع كما هو الحال في الطفولة المبكرة. إلا أن التغيرات التي تحدث في فترة البلوغ تكون أكثر وضوحاً من فترة الطفولة، حيث أن جميع الأنظمة في الجسم – بما في ذلك المخ – تخضع للتغيرات التي تحول جسم الطفل إلى جسم شخص بالغ قادر على الإنجاب، وأكثر قوة ومثابرة ورحمة.

سن البلوغ في البشر تقريباً له طبيعة فريدة من نوعها في مملكة الحيوانات كما أنه يتم أثناء التواجد في العالم الخارجي – بلا أي شرنقة لحماية الشاب خلال هذه التغيرات الجسدية. وقد يتذكر الكثير منا أن هذه التغيرات غالباً ما تكون مزعجة للشاب وأسرته وتحتاج إلى بعض التكيف معها. يعرف الخبراء الآن بأن السلوك الذي يفضل المجازفة والأحكام المتغيرة التي تتميز بها مرحلة المراهقة المبكرة تتزامن مع حدوث تحول في أداء الدماغ، حيث أن مراكز القرار في الجزء الأمامي من المخ تكون في مرحلة إعادة بناء مؤقتة وتعمل بكفاءة أقل. ومع تواصل نمو الدماغ أثناء سنوات المراهقة، يزيد التعاطف وتتحسن القرارات.

النمو النفسي والمراهقة

تتسم الفترة التي نسميها مرحلة المراهقة بالتغير السريع في العديد من النواحي:

  • النمو النفسي: هذا غالباً متأصل في الرغبة في تطوير هوية مستقلة، والتي يمكن أن تؤدي لتحدي الوضع الراهن حيث أن الشباب يشكلون القيم الخاصة بهم.
  • النمو المعرفي: هناك نمو هائل في قدرة المراهقين على التفكير في الأشياء المجردة، وهو ما يمكنهم من الفهم والتفكير المنطقي بشكل أكبر.
  • النمو العاطفي: يحدث غالباً عن طريق المزاجية المتقلبة بشدة، وإحدى المهام الرئيسية للمراهقة هي السيطرة على العواطف أو الرغبات، وفهم تأثير هذه المشاعر على الآخرين من خلال التعاطف.
  • النمو الاجتماعي: يتضمن التحول من الارتباط العاطفي الشديد بالأسرة إلى الأصدقاء في البداية – ثم إلى الحبيب أو الحبيبة لاحقاً – استكشافاً لجميع أنواع العلاقات.

عليه فإن مهام النمو الرئيسية التي تتحقق خلال فترة المراهقة هي:

  • الاستقلال عن الوالدين والكبار الآخرين؛
  • نمو هوية ذاتية تتميز بالواقعية والاستقرار والإيجابية؛
  • تشكيل هوية جنسية مستقرة؛
  • تشكيل ومفاوضة العلاقات مع الأقران والأحبة؛
  • تكوين صورة واقعية للجسم؛
  • صياغة نظامهم الأخلاقي/القيمي الخاص؛
  • اكتساب المهارات للاستقلال المالي مستقبلاً.

تتزامن هذه التطورات عاطفياً مع نمو الشخصية والوعي بالانفصال والفردية التي تختلف عن مرحلة كون الطفل جزءاً من الأسرة. في أغلب الأحيان يرتبط هذا الشعور بالانفصال والاختلاف مع إحساس بالعزلة، ورغبة في فهم تجارب الآخرين، وقضاء الوقت في صحبتهم. يسعى الشباب للعثور على مكانهم في العالم، وبناء العلاقات والمهارات في مجالات عديدة. ويتم ذلك فقط من خلال التجربة، مع قدر كبير من الممارسة العملية، علاوة على دعم الوالدين اللذين يتذكران فترة مراهقتهما ويمكنهما فهم الأخطاء التي يمكن ارتكابها، ويمكنهما أيضاً مساعدة الشاب في معرفة كيفية تمييز الصديق الجيد، وكيفية الرد على هؤلاء الذين يتعاملون معه بطريقة غير جيدة.

الجانب السلبي من النشأة على الإنترنت

قبل عالم الإنترنت كان الشباب يتعاملون مع مهام مرحلة المراهقة في مجتمعاتهم المحلية – سواء كانت مدينة أو قرية ريفية – وضمن تجمعات أصدقائهم حيث يتعلمون من بعضهم البعض، ويتحدون أيضاً بعضهم خلال رحلتهم إلى مرحلة البلوغ. الخوف من انكشاف عدم الخبرة (وخاصة الخبرة الجنسية)، أو الحرج من أن تصبح الأخطاء وسوء الفهم مجالات للقيل والقال، والعديد من هذه المهام يتم التعامل معها في الخفاء وبالتأكيد بعيداً عن أعين الكبار.

تعكس التفاعلات على الإنترنت العديد من هذه القوى المحركة على نحو علني. ولا تزال تؤكد الثقافة السائدة على فكرة أن بعض الأماكن على الإنترنت مخصصة فقط لعرض الجانب الإيجابي للشخص ليراه الجميع.

وضّح إيفان شبيجل – المدير التنفيذي للتطبيق الشهير Snapchat – هذا الأمر في خطبة رئيسية له ألقاها في العام الماضي:

“ … إن رؤية وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية للهوية هي في الحقيقة متطرفة تماماً: أنت محصلة تجربتك المنشورة. الرد الشهير هو: ‘ اثبت بالصور وإلا فذلك لم يحدث. ’ أو في Instagram: صور جميلة وإلا فذلك لم يحدث وأنت غير لطيف. ”

الضغوط لتقديم صورة إيجابية وجميلة لنفسك لها جانب سلبي على مراهقي اليوم. أين تذهب لنشر شيء غاضب أو حزين عندما تواجه يوماً سيئاً؟ الجانب الثانوي للمواقع التي يمكن أن يشعر فيها الشباب بالحرية في التعبير عن المشاعر الأكثر صعوبة هو أن هناك مواقع معينة يمكنها أن تصبح تجمعاً للقضايا الأكثر صعوبة وتحدياً، بينما تظهر المواقع الأخرى كما لو كانت لديها ثقافة أكثر إيجابية بكثير. إلا أن المواقع التي تسمح بالتعبير عن المشاكل الصعبة بحرية هي التي تنمو بين فئة الشباب، كما ان التعبير عن الأحاسيس الصعبة لا يعني بالضرورة أنه هناك شخص سيتفاعل معها.

هناك مشكلة أخرى بالنسبة للشباب – خاصة عندما يتقدمون للكليات – تتمثل في قلقهم الشديد من الآثار التي يتركونها عند وجودهم على الإنترنت، ويشار إليها عادة بالبصمة الرقمية. فهم يعرفون أن أرباب العمل في المستقبل قد يفحصون صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومستوى المهارة المطلوبة للحفاظ على الصورة الإيجابية فقط يمكن أن يستنزفهم تماماً. في استقصاء الرأي الممتاز عن إخفاء الهوية – الذي أجرته “شبكة الأطفال الدولية” لصالح “منتدى إدارة الإنترنت” في أكتوبر 2013 – عرض أحد الشباب وجهة النظر التالية:

لأنني لا أرغب في أن يكون كل شيء أقوله على الإنترنت موثقاً وقابلاً للبحث لبقية حياتي، – حيث أنني قد أغير رأيي، أو أصيغ الأمور بشكل مختلف لاحقاً .. إلخ. – لذا فإذا تكلمت مع عدم إخفاء هويتي فإنني أشعر بأنني في حاجة إلى الحرص الشديد في عباراتي مثل السياسي الذي يتحدث مع أحد الصحفيين. هذا الأمر مرهق وأنا لا أريد أن أشعر بأنني مقيد إلى ذلك الحد.”

دور إخفاء الهوية في العالم الرقمي

عندما يعيد المرء النظر في مهام مرحلة المراهقة – مثل الكفاح من أجل إدارة الذات أو فهم مشاعرك تجاه الآخرين، فلن يكون من الصعب فهم سبب انجذاب الشباب لفرص الخصوصية التي يتيحها إخفاء الهوية لهم. قد يستمر الحال على ذلك إلى أن يشعروا بأنهم قد عثروا على ‘ذاتهم’ وقيمهم وشعورهم بهويتهم، وعندئذ ربما يشعر المرء بأنه أكثر يقيناً وقادر على التعبير علانية عن هذه الأشياء. سيكون لدى البعض شجاعة وثقة أكبر للقيام بذلك في وقت مبكر أكثر، ولكن سيقدر الجميع قيمة أن يكون هناك مكان خاص لتناول هذه المسائل. يشير الشاب المذكور أعلاه إلى أمر عادي مثل تغيير رأيك في مسألة. إن البصمات الرقمية التي يبدو أنه لا مهرب منها اليوم تخنق المراهقين الراغبين باستكشاف وجهة نظر دون أن يتم وضعهم في تصنيف معين إلى الأبد. فكما نتذكر جميعاً بعض الآراء التي كنا مؤمنين بها بشدة خلال مراهقتنا يمكن أن تسبب لنا حرجاً شديداً إذا تم نشرها في مراحلنا السنية اللاحقة.

على الرغم من أن تسجيل الرحلة أو حفظ سجل لها من خلال مهام المراهقة هو مدعاة للقلق لدى للشباب، إلا أن الشعور بأنه يمكن التعرف عليهم وأنهم خاضعون للمراقبة هو أمر يقلقهم أيضاً. هناك شاب آخر – لديه خفة ظل – عبّر عن هذه التجربة:

“أنا ببساطة لا أريد أن يرتبط اسمي بكل شيء أفعله. مثلما لا أرغب في أن يدور اسمي فوق رأسي بحروف مضيئة عند شراء البقالة أو السير في الشارع”

بطبيعة الحال واحدة من الطرق لتقليل هذه المخاطر هي عدم الاتصال بالإنترنت، ولكن سيكون ثمن ذلك هو عزلة كبيرة، وعدم المرور بالتجارب الإيجابية مثلما يذكِّرنا شاب آخر باقتدار:

“لا يزال المراهقون يحاولون اكتشاف كينونتهم وماذا يريدون أن يكونوا، لذا فإن إخفاء هويتهم على الإنترنت هي طريقة رائعة لتجربة الأدوار الاجتماعية المختلفة بأمان”

تتيح فرصة استكشاف الأفكار والمشاعر المختلفة المجال لنمو أكبر بكثير للشخصية وإمكانية تكوين صورة ذاتية إيجابية – لا سيما عند التواصل مع أولئك الذين لديهم مشاعر مشابهة.

من المهم أيضا الاعتراف بأن عالم الإنترنت يزيد على نحو هائل من إمكانية وصول الشاب إلى المعلومات مما يمكنه من التعرف على طريقة تفكير الآخرين. على الرغم من أن الكتب ووسائل الإعلام الأخرى التي لا تحتاج إلى اتصال مثل التلفزيون والأفلام والموسيقى قد وفرت أيضاً نوافذ لآفاق جديدة، إلا أن الشباب أصبح لديهم الآن إمكانية الوصول إلى هذه الكميات الهائلة من المحتوى الخام وغير المنقح من إنتاج المستخدمين، وهو ما يتيح لهم فهماً أعمق بكثير للآراء المختلفة في إطار زمني أسرع بكثير. خيار إخفاء الاسم لعب دوراً رئيسياً هنا، فعلى سبيل المثال كان الشباب دائماً ما ينجذبون إلى خدمات مثل إجابات Yahoo لأنهم يؤمنون أن نموذج “السؤال والجواب” مع إخفاء اسمائهم سيساعدهم في التعبير عن وجهات نظرهم الحقيقية. نموذج السؤال والجواب يوفر أيضاً شيئاً آخر وهو تقليل الفجوة بيننا وبين والآخرين، مما يسمح لظهور شعور بالانتماء والتشابه وهو ما يسهل التعاطف الذي يمثل أحد أهم المهام لمرحلة المراهقة.

التعامل مع المراهقة على الإنترنت: المخاطرة والقدرة على التعافي

نحن نعرف – على الأقل من وقت الفيلسوف أفلاطون – أنه عندما يعتقد الناس أنهم غير مرئيين ومجهولي الهوية، فبإمكانهم التصرف وفق رغباتهم ودوافعهم الأساسية. قد يظهر ذلك بشكل إيجابي وسلبي، ولكن هناك عوامل أخرى يمكنها التغلب على ‘دواسة الفرامل الداخلية’ لضميرنا. كما ذكرنا سابقاً تغيرات الدماغ المبكرة في سن البلوغ يمكنها أن تؤثر على القدرة على التعاطف. ثانياً: تأثير سلوك المجموعة والجمهور يمكن أن يكون له وقع كبير على الشباب – مثلما يمكن أن تؤثر قيم الثقافة التي يعيشون فيها والثقافة الخاصة بموقع أو تطبيق معين يستخدمونه. الصعوبة – والمفارقة – هي أن العوامل التي يمكن أن تجعل الشباب يشعرون بالحرية والارتياح أثناء وجودهم على الإنترنت هي ذاتها التي تخلق التحديات.

نحن لا نتعلم فقط أثناء المراهقة كيف نتحكم في مشاعرنا بشكل أفضل، وإنما نتعلم أيضا كيف نرى تأثير سلوكنا على الآخرين. أحد التحديات في عالم الإنترنت أنه لا يمكن دائماً رؤية أثر تعليق قاس على شخص آخر – نظراً لأننا لا يمكننا رؤية تعبير وجهه أو ما قد يشعر به من ألم أو حتى دموعه – وهذا قد يجعل من الصعب على أي شخص معرفة ما إذا كان تعليقه قد تجاوز الحدود. من السهل استيعاب كيف يمكن لعالم الإنترنت – والأنظمة التي تتيح إخفاء الهوية على وجه الخصوص – أن تصبح مكاناً يتجاوز فيه أي شخص الحدود، ويفرغ فيه متاعبه الشخصية بسبب الضغوط الخارجية. هذه موازنة صعبة لموفر النظام ولكن يجب الوصول إلى حل وسط فيها – فمن المهم للمراهقين مواطني العالم الرقمي أن يكونوا قادرين على اختبار الحدود مع عدم تجاوز حدود احترام الآخرين.

هناك أيضاً تحديات أخرى. نظراً لأن الشباب يرغبون أيضاً في تعزيز القوة والجراءة أثناء المراهقة – وهي صفات تمكنهم من التعامل مع المسائل أو التعليقات الصعبة – فسيتعلمون أيضاً تحدي بعضهم البعض. في بعض الأحيان سينافسون ويهاجمون بعضهم البعض – تقريباً كرياضة – ومن غير الغريب أن يظهروا هذا الاهتمام بتصوير تلك العملية المثيرة في أفلام مثل «ألعاب الجوع» حيث يتقاتلوا حرفياً من أجل حياتهم.

يمكن أن يشعر المراهقون أيضا بتشوش كبير بسبب نقاط الضعف التي يرونها في المراهقين الآخرين – خاصة إذا كانت مرتبطة بمشكلة عقلية أو جنسية. ذلك متأصل في المخاوف المتعلقة بهويتهم الشخصية أو نقاط الضعف التي قد تكون لديهم أو شعورهم بأنهم الحلقة الأضعف في “السلسلة الغذائية”، لذا فإنهم قد يحاولون طرد واستبعاد الشخص الذي يذكرهم بنقاط الضعف الخاصة بهم. هذه مسألة مختلفة تماماً عن محاولة التسبب في الألم والضيق، على الرغم من أن هذا يحدث كنتيجة لذلك.

التحدي المتمثل في تمييز التنمر

العديد من الشباب ملتصقين تقريباً بالهواتف الذكية “المتصلة دائماً”، وهي تسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم فوراً – عند التعب أو الغضب أو الضيق – وتختلف الأفعال الإلكترونية الناتجة عن عدم الحساسية عن تلك التي تهدف إلى المضايقة. مفتاح أساسي لمفهوم التنمر أن المتنمر يكون لديه النية في التسبب في الألم. تبلد المشاعر على الإنترنت – سواء من خلال عدم التفاهم أو العفوية أو حتى عند استخدامها بشكل عدائي – هو ليس بالضرورة تنمراً على الرغم من أنه قد يبدو كذلك.

معظم الشباب لديهم درجة من القدرة على التعافي تتيح لهم الإبحار في الكثير من – إن لم تكن جميع – التحديات الاجتماعية على الإنترنت. لكن قلة منا يمكنها التعامل مع الهجوم الموجع المتكرر المٌركَز المُتعمَد من فرد أو مجموعة، ووضع حدود في مثل هذه الحالات يمكن أن يكون مفيداً جداً. ولكن لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن أفضل طريقة لحماية أولئك الذين هم عرضة لذلك، حيث أن كل حلقة من حلقات التنمر هي عالم معقد ومأساة في حد ذاتها. في هذه الحالات التي يتكرر فيها الإيذاء سيكون مصطلح التنمر أو التنمر الإلكتروني صحيحاً على الرغم من طبيعته المعقدة دائماً، فنادراً ما يدور الأمر حول مجرد متنمر يستمتع بإشباع وحشي من أفعاله، بل عادة ما يكون هو أيضاً ضحية لسلوكيات مشابهة استهدفته في فترة سابقة من حياته.

هناك أيضا تحديات جديدة تظهر عند النظر في مسألة التنمر في عالم الإنترنت. في بعض الحالات القليلة قد يقوم الشباب بإيذاء أنفسهم فيما يبدو أنه بسبب تعرضهم لحادثة تنمر مؤلمة للغاية، وقد يتضح أن معظم الرسائل يرسلها الشاب إلى نفسه. وفقاً لبحث من مركز الحد من العدائية في ماساشوستس فإن 10 في المئة من الشباب يرسلون مثل هذه الرسائل إلى أنفسهم، وهذا الأمر أكثر شيوعاً بين الفتيان بنسبة 17 في المئة للرسائل المرسلة من الشخص إلى نفسه.

يبدو أن هناك العديد من الأسباب تدفع الشباب للقيام بذلك، وعلى الرغم من أنهم قد يشعرون بالخجل الشديد من إرسالهم مثل هذه الرسائل لأنفسهم إلا أن هناك دافع واحد مهم جداً لمثل هذه الرسائل الذاتية وهو الحصول على الدعم من الأصدقاء أو البالغين. إن مجرد حظر الوصول إلى الموقع الذي يتخذونه سبيلاً للحصول على المساعدة قد يتسبب في ألم غير متوقع. هذا مجال جديد للمعرفة ويلزم أخذه على محمل الجد خاصة عند الأخذ في الاعتبار أن المراسلة الذاتية هي نداء استغاثة جدي جداً لطلب المساعدة.

ما الذي يمكنك عمله

على الرغم من أن رحلة المراهقة لم تكن أبداً سهلة إلا أنه من الصعب عدم التعاطف مع شباب اليوم وكفاحهم للنمو في عالم جديد بالنسبة لنا جميعاً. لذا فكل ما يمكننا عمله هو الانضمام إليهم في محاولة فهم التحديات، كما لو كنت تنتقل إلى بلد جديد حيث تبدو اللغة والعادات مختلفة تماماً عن تلك التي تعرفها وتقدرها. يجب على الشاب إيجاد التوازن بين القيم القديمة لوالديه والقيم المناسبة للعالم الذي يعيش به الآن. هذا هو العمل المشغول به جميع الشباب حالياً، وهو عمل معقد.

إذن فما الذي يمكنك أن تفعله؟

  1. أظهر الاهتمام وتعرف على الحياة الرقمية لطفلك في وقت مبكر قدر الإمكان حتى يعرفون أنك تفهم الإيجابيات والسلبيات في حال ظهور مشاكل في وقت لاحق.
  2. تحدث عن الصداقة وطبيعة الصداقة الجيدة بالإضافة إلى القيم الأخرى التي تعتز بها.
  3. فكّر في تجربتك الخاصة مع سنوات مراهقتك – بل تحدث عنها أيضاً – فقد تجد نفسك تفهم جيداً الضغوط على الشباب وحاجتهم للخصوصية الكافية التعبير عن أنفسهم.
  4. احترم حاجاتهم للعثور على الإجابات الخاصة بهم واكتساب الجراءة والقدرة على التعافي، ولكن كن على استعداد للتدخل إذا تعقدت الأمور.
  5. راقب التغيرات في السلوك، فالتحول إلى الهدوء أو الانسحاب قد يكون علامة على أن شيئاً سيئاً قد حدث على شبكة الإنترنت – لكن لاحظ أن ذلك قد يحدث أيضاً في حال اهتمامهم بشخص آخر.

اسألهم هل أمورهم بخير، مع طمأنتهم أنك موجود للتحدث عندما يكونوا جاهزين.

  1. تحقق ما إذا كانوا سيشعرون براحة أكبر إذا تحدثوا إلى شخص آخر – سواء في الأسرة أو صديق جيد – حيث أنهم قد يشعرون بالحرج بخصوص بعض المحادثات الخاصة بهم على الإنترنت.
  2. اعرف سياسة مكافحة التنمر الموجودة لدى مدرستهم أو كليتهم، ومن يمكنك اللجوء إليه عند القلق.
  3. إذا كان لديك قلق كبير بخصوص اكتئاب متزايد أو أسى عميق لدى طفلك، تحدث إليه عن تجربتك في اللجوء إلى الآخرين في حياتك للحصول على الدعم، وأسأله ما إذا كان يرغب في رؤية شخص من خارج الأسرة أو المدرسة ليساعده في الشعور بالتحسن.
  4. عادة الردود المتأنية الثابتة المحسوبة تطمئن الشباب، وتضع حداً لشعورهم بأن كل شيء خارج سيطرتهم وهو الأمر الذي يسبب لهم المزيد من القلق، بينما الإغلاق المفاجئ للحسابات أو حظر الوصول إلى الإنترنت له جانب سلبي.
  5. ضع في اعتبارك أنهم عندما يتحدثون عن الصعوبات الموجودة في عالم الإنترنت فإنهم يريدون أيضاً قضاء المزيد من الوقت معك، لذا فأنت في حاجة أيضاً للتخلي عن الهاتف الذكي.

باختصار كن مستعداً لإدراك أن الحالة المثيرة للقلق تكون معقدة، وقد لا يوجد لها حل سهل أو سريع. فمن شأن ذلك أن يساعد في إقامة الحوارات التي تؤدي إلى تقديم الدعم المناسب، وتقديم الرد الذي يشعر الشباب بالراحة.